الإثنين, 03 آب/أغسطس 2015 09:59

الرطانه

الــــرُطـــــانة

بقلم الأستاذ/ محمـد أدروب محمـد        

عضو الجمعية الدولية لدراسات الثقافة البجاوية

 

‎‎ إن جزء من مشكلنا الثقافي، ضمن مشاكلنا الثقافية الكثيرة، هو استعمالنا لبعض المصطلحات والمسميات التي نرددها، هكذا، دون أن إدراك حقيقي لمضمونها، ودون أن نتملى في تأثيرها. 

من ذلك الذي يردده بعضنا- أو في الحقيقة الكثير منا- عبارة "رطانة"، وذلك عند التعبير عن لسان مجموعة ما أو الطريقة التي يتكلمون بها. 

إن ذلك البعض- أو الكثير منا كما أرى- يرددون ذلك الوصف لأنه، فقط، قد انتقل إلى وعينا، أو إلى لا وعينا، عن طريق السماع غالبا، إذ لا سبب ولا حيثية أخرى لذلك. غير أن من الواضح أن من ذلك البعض، الذي يردد ذلك المصطلح، إنما يردده وهو قاصد للمعنى السلبي للعبارة فيما يتعلق بذلك اللسان أو طريقة الكلام، ذلك المعنى الذي يحمل دلالات استعلاء ومعاملة الآخر الثقافي المعايش في دونية. 

ولكن، من أين أتى تعبير (رطانة) الذي حمل تلكم الدلالات السلبية، والذي يتم استعماله للتعبير عن بعض الألسن؟ وهل في علم اللغات مصطلح له دلالة مصطلح (رطانة) المشار إليه هنا ؟ 

في بعض اللغات نجد عبارات تدل على معان خاصة في أساسها، ولكنها تستعمل أحيانا للمعني الذي تتم مناقشته هنا. ولقد حاولت حصر عبارات اللغة الانجليزية التي تستعمل أحيانا لمعاني ذات علاقة بالمعنى "رطانة". ومن تلك العبارات:

‎ 1- Jargon: Special words and phrases that are only understood by people who do the same kind of work.

 

ويقول المعنى أن المصطلح يعني: كلمات وأشباه جمل تفهم فقط من قبل مجموعة من الناس تعمل في نفس المهنة. ومن المعاني التي ذهبت اليها العبارة (Jargon)- من القاموس ذو اللغتين في "وورد، ويندوز": (طمطمة، عجمة، لغة غريبة، لغة مضطربة غير مفهومة، لغة اصطلاحية لجماعة ما، كلام مبهم، رطانة).

 

‎ 2- Slang: Words or expressions that are very informal and are not considered suitable for more formal situations. Some slang is used only by a particular group of people

 

‎ وترجمة ذلك أن العبارة تعني: كلمات أو تعبيرات شائعة، أو غير مناسبة لوضع معين رسمي أو منهجي، وبعض هذه التعبيرات تستعمل من قبل مجموعة معينة من الناس. ومن معاني (Slang)- من القاموس ذو اللغتين في ويندوز: (عامية، لغة دارجة).

 

‎ 3- Gibberish: Spoken or written language perceived as unintelligible or devoid of sense.

 

‎ ويقول المعنى أن العبارة تعني لغة منطوقة أو مكتوبة يعتقد أنها بلا معنى ومجردة من المعقولية. ومن معاني العبارة (‎Gibberish‎)- من القاموس المذكور: (بربرة، كلام خلو من المعنى، كلام غير مفهوم، لغة تقنية، لغة سرية، كلام غامض لغير ما ضرورة).

 

‎ 4- Lingo: A language, especially one other than your own. The words that are mainly used by people who do a particular activity or job (the usual bureaucratic lingo)

 

‎ ومعنى ذلك هو أنها لغة غير لغة الشخص، أو أنها الكلمات مستعملة غالبا من قبل أناس يشتركون في منشط أو مهنة معينة (لغة البيروقراطية أو لغة المكاتب). ومن معاني العبارة (Lingo)- من القاموس المذكور: (لغة غريبة).

 

‎ 5- Jabber: To talk very quickly and with a lot of enthusiasm, especially in a way that is not sensible or that is difficult to understand

 

‎ ومعنى ذلك هو أن العبارة تعني: كلام بحماس وبسرعة خاصة إذا كان مفارقا للمعقولية أو صعب استيعابه. ومن معاني العبارة (‎Jabber‎)- من القاموس المذكور: (بربرة، ثرثرة، هذرمة، قول غير واضح).

 

‎ 6- Argot: Words that are used by a particular group of people (military argot).

 

‎ ومعنى ذلك هو أنها كلمات يتم استعمالها من قبل مجموعة معينة – كالجيش. ومن معاني العبارة (‎Argot‎)- من القاموس المذكور: (عبارات خاصة تتداولها فئة، لغة عامية تصطنعها طبقة أو فئة اجتماعية "في الجيش مثلا").

 

‎ 7- Gobbledygook: Complicated or technical language that you cannot understand.

 

‎ ومعنى ذلك هو أن العبارة تعني: لغة معقدة أو لغة تقنية لا يمكن فهمها. ومن معاني العبارة (Gobbledygook)- من القاموس المذكور: (كلام معقد لا تستطيع أن تفهمه).

 

‎ 8- Idiom: An expression whose meaning is different from the meaning of the individual words. For example, ‘to have your feet on the ground’ is an idiom meaning 'to be sensible'. A particular style in language, art, or music.

 

‎ ومعني ذلك هو أن العبارة تعني: تعبير معناه يختلف عن معاني المفردات التي ركب منها- وذلك كقولك "أن الأمور تسير بصورة سلحفائية" فالصفة "سلحفائية" لا علاقة لها بالمعنى المراد من تركيب العبارة، والمقصود منه تبيان صفة البطء التي تسم حركة الأمور وشبهها بحركة السلحفاة- ومن معاني العبارة (‎Idiom‎)- من القاموس المذكور: (عبارة اصطلاحية، لغة، لهجة، أسلوب مميز في الموسيقى أو الفن).

 

‎ 9- Vernacular: The language spoken by a particular group or in a particular area, when it is different from the formal written language.

 

‎ ويعني: لغة يتم التحدث بها من قبل مجموعة معينة أو جهة معينة، وهي مختلفة عن اللغة الرسمية المكتوبة. ومن معاني العبارة (Vernacular)- من القاموس المذكور: (اللغة العامية، بلدي، لغة إقليم أو جماعة، لغة مهنة، الاسم الدارج، الاسم الدارج لنبات أو حيوان).

 

‎ 10- Drivel: Stupid and unimportant things that someone says or writes.

 

‎ وتعني: أشياء بليدة وغير ذات أهمية يقولها أو يكتبها شخص. ومن معاني العبارة (‎Drivel‎)- من القاموس المذكور: (هراء، يتكلم بحماقة، يقول بطريقة صبيانية).

 

‎ 11- patois: Spoken language of people in particular area that is different from the main language in a country.

 

‎ وترجمة ذلك: لغة منطوقة لجماعة في منطقة محددة تختلف عن اللغة الرئيسية في البلاد. ومن معاني العبارة (‎patois‎)- من القاموس المذكور: (لغة خاصة مميزة لجماعة ما أو لأهل صناعة ما، لهجة عامية أو محلية).

 

‎ 12- vulgar: language relating to a form of a language spoken by people generally.

 

‎ وترجمة ذلك هي: لغة تعزى لتركيب لغوي يتحدث به عامة الناس. ومن معاني العبارة (‎vulgar‎)- من القاموس المذكور: (عامة الناس، الأقلية).

 

‎ 13- colloquial speech

 

‎ 1- The difference between colloquial and formal language is a tricky subject. Generally, colloquial speech is defined as the conversational form of a given language.

 

‎ وترجمة ذلك هي: إن موضوع التفريق بين (لغة عامية) و(لغة رسمية) موضوع شائك ومخادع. عموما، (اللغة العامية) يتم تعريفها بأنها شكل التخاطب من اللغة المعينة. ومعنى (formal language) هو لغة رسمية أو لغة متمسكة بالقواعد. ومن معاني العبارة (colloquial speech)- من القاموس المذكور: (عامي، غير فصيح، مستخدم في لغة الحياة اليومية).

 

‎ 2- A term used to designate the oral (unwritten) everyday speech of those who use the literary language.

 

‎ وترجمة ذلك أنه: مصطلح يستخدم للدلالة على المخاطبة الشفهية اليومية (غير المكتوبة) من أولئك الذين يستخدمون اللغة الأدبية. 

هذه بعض الكلمات التي تستعمل في اللغة الإنجليزية أحيانا للتعبير عن "كلام" لا تنطبق عليه دلالة لغة، غير أنه لابد أننا قد لاحظنا، من معاني هذه العبارات، عنصر انصرافها، في أساس معناها، لمعاني أخرى، وأنها لا تنصرف حصرا لمعنى "رطانة" بدلالاته المذكورة. 

وبمراجعة معاني هذه التعبيرات نلاحظ التالي: 

أولا: أن العبارات: 1، 2، 4، 6، 9 تشترك جميعها في أن المصطلح يذهب إلى أنه كلام يتم من قبل مجموعة معينة، مجموعة تجمعها مهنة معينة أو نشاط معين. 

ثانيا: بعضها، في الفقرة (3) مثلا، ينصرف لمعنى أن الكلام فارغ من المعنى. 

ثالثا: في العبارات: 5، 7، 10 نلاحظ أن معاني الكلمات تنصرف للدلالة على أن الكلام غير مفهوم. 

رابعا: في بعض العبارات نلاحظ أن المعني ينصرف للدلالة على لغة خاصة بمجموعة في منطقة من القطر- فقرة (11). 

خامسا: في بعض العبارات نلاحظ أن المعني ينصرف للدلالة على لغة عامية- فقرة (12). 

سادسا: بعض هذه العبارات يختلف معنى تركيب جملها عن معاني مفرداتها- فقرة (8). 

سابعا: بعضها يدل على لغة في منطقة تختلف عن اللغة الرئيسية في قطر ما- فقرة (11). 

ثامنا: بعضها يشير إلى شكل التخاطب- أو اللغة الدارجة- من اللغة المعينة- فقرة (12/ 1-2). 

ومن ناحية أخرى فإن هناك مصطلح (minority language) بمعنى "لغة أقلية"، والذي لا يحمل دلالات سلبية، ويشير فقط إلى لغة غير اللغة الرئيسية للبلاد. ففي الكاميرون وبعض البلدان الأخرى، على سبيل المثال، يتم استخدام مصطلح "اللغة الرسمية" للفرنسية والإنجليزية. وتعتبر اللغات الأخرى "لغات وطنية". وعلاوة على ذلك، فإن تلك "اللغات الوطنية" تستخدم في التعليم الابتدائي. 

وعن العبارة "رطانة" في اللغة العربية يورد قاموس (لسان العرب لابن منظور، للعلامة جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور 1232 م/ 1311م)- في مادة: (رطن) التالي: رَطَنَ العجمي، يَرْطُنْ رَطْنا: تكلم بلغته. 

الرَّطانَة والرُطانَة والمراطَنَة: التكلم بالعجمية، وقد تراطنا. تقول: رأيت أعجميين يتراطنان، وهو كلام لا يفهمه العرب؛ وتقول: رطَنْتُ له رَطانة وراطَنْته إذا كلمته بالعجمية. 

وفي حديث أبي هريرة قال.. التراطُنُ كلام لا يفهمه الجمهور، وإنما هو مواضعه بين اثنين أو جماعة، والعرب تخص بها غالبا كلام العجم. 

ويرد في لسان العرب حول مادة: (عَـجَمْ) التالي: العُجْمْ والعَجَم: خِلافُ العُرْبِ والعَرَبِ، يَعْتَقِبُ هذانِ المِثالانِ كثيراً، يقال عَجَمِيٌّ وجمعه عَجَمٌ، وخلافه عَرَبيّ وجمعه عَرَبٌ. 

... وتقول: هذا رجل أَعْجميٌّ إذا كان لا يُفْصِحُ، كان من العَجَم أَو من العَرَب. ورجل عَجَمِيٌّ إذا كان من الأَعاجِم، فَصِيحاً كان أَو غير فصيح. 

واسْتَعْجم عليه الكلامُ: اسْتَبْهَم. 

والأَعْجَمُ: الأَخْرَسُ. 

والعجماء والمُسْتَعجِمُ: كلُّ بهيمةٍ.... سُمِّيت عَجْماءَ لأَنها لا تَتَكلَّمُ. 

وقد أخرج عن عطاء قال: (لا تعلموا رطانة الأعاجم)- المصنف، 9/11 

وقد قرر بعض المتقدمين من أئمة العرب أنه (لا ينبغي التحدث بغير العربية ما لم تدع إليه الحاجة، بخاصة إذا كان الباعث لذلك محبتها والإعجاب بها، فهذا لا ينبغي فعله سواء كان قليلا أم كثيرا)، ويضيف أن (الأمم القوية تسعى لفرض ثقافتها على الأمم الضعيفة المغلوبة، وإنما يعبر ذلك كله على جسد اللغة). وأنه (من عادة العرب إذا نطقوا بلفظة أعجمية أنهم يلقونها على طريقتهم في النطق من غير تكلف، ودون ترقيق في اللفظ فضلا عن نبرة الصوت)- من مقالة "أحكام الرطانة" للكاتب د. عبد الرحمن آل عثمان- راجع الشبكة العنكبوتية: (http://islamselect.net/mat/6125) و(http://www.saaid.net/Doat/Zugail/227.htm). 

ويقول الشيخ/ خالد بن عثمان السبت في تفسيره لسورة الفاتحة أن العرب (تتصرف في الألفاظ الأعجمية مما يتلاءم مع لغاتها، فالعرب لا ينطقون باللفظة الأعجمية كما ينطق بها الأعجمي بحيث يلوي لسانه كما في لغة القطط) وأن (قاعدتهم في ذلك "أعجمي فالعب به")- الانترنت (www.khaledalsabt.com/files/f2890.doc‎). 

وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلها رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلها فارسية، وأهل المغرب ولغة أهله بربرية، عودوا أهل البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم. وهكذا كانت خراسان قديما)- الاقتضاء 1/469- 470. 

وقد أدى ذلك بالبعض لأن يستعملوا عبارة رطانة لوصف، ليس لسانا مختلفا، بل، والمدهش، لسانهم ذاته. 

فيكون النقاش هنا حول ماهية الرطانة وماهية اللغة. 

وفي أوار ذلك النقاش حول الرطانة واللغة، ترد تعريفات لماهية اللغة وماهية الرطانة. 

ويرد في تعريف اللغة ذلك التعريف المشهور بأن اللغة هي "ما كان مكتوبا من الكلام". 

وبالتفكر في التعريف الوارد من اليسير ملاحظة أن التعريف مفارق لمنطق بسيط وهو أن مسألة أن تكتب اللغة- أية لغة- أو أن لا تكتب، أن ذلك ليس ذو علاقة ضرورية باللغة كلغة. فاللغة مجموعة من الأصوات تركب منها الكلمات وأشباه الجمل ثم الجمل التي تبين من خلالها المعاني- كتبت أم لم تكتب. ومن ناحية أخرى فإن الواضح هو أن مسألة أن تكتب اللغة أو ألاّ تكتب، أن تلك مسألة متعلقة بأصحاب اللغة والمهتمين بها أكثر من تعلقها باللغة باعتبارها مجموعة أصوات، إذا أراد هؤلاء اتفقوا على رموز فكتبوها. إذن فإن كتابة أية لغة هو اتفاق أهلها على رموز لكتابة لغتهم ثم عزمهم وجدهم في ذلك. 

ويقول بعض اللغويين:

 

‎ "The core identity of a language is not defined by its writing system but by reference to its properties of oral communication".

 

‎ وترجمة ذلك هي أن "أساس تعريف اللغة ليس بنظام هجائها (كتابتها) بل بخصائصها عند الكلام". 

وتعريف آخر يرد للغة في ذلك الحوار، وهو أن اللغة تعتبر لغة عندما يتحدث بها أناس كثيرون. 

كما وأن التعريف السابق غير مستقر، وهو التعريف القائل (بأن الكلام إذا كان مكتوبا فهو لغة، وإذا لم يكتب فليس بلغة)؛ فإن الواضح كذلك هو أن التعريف الثاني، ومعياره عددي، أن ذلك التعريف غير مستقر أيضا. 

إذ ما هو العدد الذي يجب توفره من متحدثي لسان ما حتى يتسنى اعتبار ذلك اللسان لغة وليس رطانة؟ هل هو ألف شخص، أو ألفين أو عشرة آلاف شخص، أم أكثر أم أقل؟. ذلك من ناحية، ومن الناحية الأخرى ترى من هي الجهة التي تملك الصلاحية والحق والتي يمكنها تحديد ذلك؟ بمعنى ما هي الجهة، أو من هي الجهة التي لديها مسئولية أن تعتبر لسان يتحدث به ألف شخص، مثلا، لغة، ولكن إذا كان المتحدثون بذلك اللسان 999 شخص فتلك رطانة؟ 

هكذا.. رأينا أن التعريفان السابقان غير مستقران ولا يمكن الركون إليهما. 

وتعريف ثالث لماهية اللغة هو تعريف يقول بأن تكون اللغة معترفا بها. 

ورغما عن الكثير الذي يمكن قوله حول هذا التعريف، لكننا نكتفي بالسؤال عن الجهة التي يكون اعترافها، هي وحدها، محددا لأن يكون ما تتحدث به مجموعة ما هو لغة وليس رطانة. 

الواضح هو أن تعريفنا الحالي للغة، كمثليه السابقين، غير واقعي وغير متماسك، أذ لا جهة في العالم تم تحديدها والاتفاق عليها. 

من كل ذلك نعتقد أن تعريف اللغة ينبغي أن ينبني أولا على محمولات اللغة نفسها (مقوماتها وتراكيبها) من قبيل: صوتياتها، نظام اشتقاقها، التصريف أو بناء الكلمات فيها، نظامها العددي، أدوات التعريف، الصيغ اللغوية المختلفة فيها.. الخ. ثانيا ينبغي أن يستصحب التعريف ما إذا كان اللسان كافيا للمجموعة التي تتحدث به في معاشها، وما إذا كانت تعبر بكلامها عن مجمل أمور حياتها ولا تحتاج لمترجمين أو مسهلين لتصريف أمورها في حياتها. بمعنى أنه إذا كان اللسان كافيا للمجموعة للتعبير في معاشها، وإذا كان اللسان يحمل مقومات البيان من خلال مكوناته فذلك إذن لغة. 

ولعله من المعروف هو أن كل اللغات المكتوبة اليوم قد مرّ بكل منها وقت لم تكن قد كتبت فيه، وذلك لا يغير شيئا في حقيقة أنها كانت لغات وذلك باعتبار مقوماتها وتراكيبها، وباعتبار أنها كانت تكفي الناطقين بها في معاشهم. 

لقد أوردنا بعض الذي قرره بعض المتقدمين من أئمة العرب. 

وبما وضحنا هنا، وحسبما حاولنا أن نرصد، فإن اللسانيات أو علم اللغويات لا يوجد فيه مصطلح يعادل معنى "رطانة" والذي يحمل دلالات سلبية من قبيل المعنى الذي يحمل الإشارة بدونية إلى آخر مختلف اللغة. أو الإشارة، فيما يتعلق بلغة ما، الى بهيمة لا تتكلم، أو أن شخصا "الأعجمي" (يلوي لسانه كما في لغة القطط). 

وبالنظر لمجمل التفاصيل التي أوردناها حول الموضوع، وبغض النظر عن مصدر العبارة، فذا أردنا تعريف "رطانة" بكلام بسيط- بعد سحب الدلالات السلبية فيه والتي وضحنا مصدرها- فإن تعبير "رطانة" يمكن تعريفه بأنها (الكلام غير المفهوم). وبديهي أن أيِّة لغة، ومهما كانت محمولاتها أو مقوماتها أو تراكيبها أو دورها، مهما كان ذلك، فإنها "رطانة" من وجهة نظر من لا يعرفها من حملة أيِّ لغة أخرى، ببساطة لأنها، وحسب هذا التعريف "كلام غير مفهوم" بالنسبة إليه. فاللاتينية بهذا المعنى "رطانة" بالنسبة للياباني، مثلا، والعربية "رطانة" بالنسبة للصيني... وهكذا. 

وبدلالة كل الذي أوردناه حول الموضوع، فإننا نعتقد بأنه من الحكمة تحاشي استعمال تعبير "رطانة" حين الإشارة للغة أية مجموعة معايشة، إذ أن ذلك في حقيقته شرخ ثقافي/ إجتماعي نتسبب فيه، وكما أسلفنا في البداية، هكذا دون معرفة لحقيقة مدلولاته وتأثيره.

 

‎ كسلا- 25 سبتمبر 2013

476467 تعليقات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة