السبت, 07 تموز/يوليو 2018 20:00

أفكار حول معرفة البداويت للحرف العربي

أفكار حول معرفة البداويت للحرف العربي

 بقلم الأستاذ/ محمد أدروب محمد 
عضو جمعية الثقافة البجاوية

يدور نقاش حول مدى معرفة البداويت للحرف العربي، وذلك ضمن النقاش الدائر حول كتابة اللغة وخيارات تحريفها هل بالحرف اللاتيني أم بالحرف العربي. 
وبعيدا عن الميول المسبقة والتقريرات الانطباعية نميل للدراسة والبحث في الواقع المشاهد، رغم كل ما تستوجبه الدراسة من جهد في جمع المعلومات وتصنيفها وترتيبها، ورغما عما يستدعيه البحث من صرامة في متابعة الدلالات ومن ثم الوصول للاستنتاجات، ومن ثم نركن للنتيجة التي نتوصل إليها عبر البحث والدراسة. 
ولننظر لواقع المنطقة وانسانها فيما يتعلق بالتعليم ومدى معرفة البداويت للقراءة والكتابة، واضعين في اعتبارنا ما هو معروف عن ضعف التعليم في المنطقة، ويهمنا هنا مدى معرفة البداويت للحرف العربي. 
لعله من المعروف إنه وفيما قبل التعليم النظامي الذي نشأ في البلاد في العهد التركي- حيث أفتتحت أول مدرسة نظامية حديثة في الخرطوم سنة 1855 م- كان قد انتشر، قبل ذلك، نوع من التعليم المتخصص، أو الخاص إذا أردت، في مؤسسات عرفت بالخلاوي ومفردها خلوة. والخلوة مكان يخلو فيه الطالب لنهل معين العلم، خاصة العلم الديني. 
وقيل عن نشأة مؤسسة الخلوة في البلاد أنها قد نشأت إبان دولة الفونج، وقيل قبل ذلك- أنظر: خلوة، ويكيبيديا الموسوعة الحرة. ولأن الدارسين فيها كانوا ينقطعون للدراسة كانت الخلوة توفر لهم السكن والاعاشة. 
أما عن نشأة الخلاوي في المنطقة فقد اشتهرت بعض الخلاوي فيها كمؤسسات كبيرة مثل: (أ مِسْقِدْ أ بِرِّ) وتعني: المسجد الواسع، في المنطقة الوسطى من منطقة القاش. ويورد عنه أستاذنا/ محمد أدروب أوهاج في سفره "من تاريخ البجا"- الكتاب الاول، صفحة 24: (وكان يؤمه الناس من كل أنحاء منطقة البجا وغيرها حتى يقال أن عدد تلاميذه، عندما دخلت التركية للسودان سنة 1821، كان يقدر بألوف). كما تشتهر، وللآن، خلاوي منطقة (همشكوريب) وخلاوي منطقة (تُ مالَهْـ)، وضمت هذه الخلاوي العشرات من الدارسين والدارسات إذا لم نقل المئات. وكما هو معروف فإن مؤسسات أصغر تنتشر في المنطقة في بواديها وحضرها، ومنها ما قام في بيوت الشيوخ أو الشيخات في المدن والقرى لتعليم أبناء الحي القراءة والكتابة وتعليم القرآن فيما قبل سني الدراسة، بل وأثناءها عند بعض الدارسين. 
وقد تلقى بعض البداويت أول تعليمهم في تلك المؤسسة، وكان ذلك التعليم يمثل للكثيرين من هؤلاء آخر تعليم تلقوه، خاصة المرأة لمسألة متعلقة بفهمهم لدور المرأة وقتها. ومما يسبب الغبطة اليوم هو أن الفكرة حول تعليم البنات قد تغيرت في المنطقة، ولذلك نجد المرأة قد اقتحمت صفوف الدراسة وقاعات الجامعات وفي مختلف التخصصات مما يدل على أن المنطقة تتجه نحو تغيير جذري وكبير. 
وما اعتاد عليه وما عرفة الكثير من البداويت في تلك الخلاوي هو ترميز وترتيب الحرف العربي وصوتياته. وترميز الحرف صيغة كلامية تُعرِّف الأصوات في اللغات حسب نطق كل صوت، وتوضح ترتيب الحروف، وهي أيضا صيغة رسومية إذ أنها في الوقت ذاته تعطي صورة توضح الشكل الذي يرمز لكل صوت، وتسهل بذلك تحديد الصوت وفرزه من صوت ورمز حرف آخر. وهي، وكجزء من نظام الكتابة، وسيلة لتخزين المعلومات عن الأصوات مرتبة، يختزنها العقل بحفظها ويسترجعها بسهولة. 
وترتيب الحروف دلالات غير منتظمة على الأصوات في بعض اللغات، فالعبرية مثلا ترتيبها غير منتظم (أ- ب- ق- د)، وفي العربية ترتب جزئيا حسب أشكال الرموز: (ب- ت- ث) و(ج- ح- خ) و(د- ذ) و(ر- ز) و(س- ش) و(ص- ض) و(ط- ظ) و(ع- غ) و(ف- ق) و(ك- ل) مما سهل عملية حفظها وحفظ ترتيبها. 
والبعض منا قد درس في الخلاوي ما قبل المدرسة، وتعلم الحروف ثم حفظ السور، ولربما نتذكر ويتذكر كثيرون الاهزوجة: [أليفو- بأتو- تأتو... الخ] التي كان يتعلمها ويرددها أطفال البداويت، وكان الغرض من هذا هو تعليم أشكال الألف بائية العربية وترتيب حروفها، وتعليمهم ذلك بلغتهم الأم. وتعليم الطفل بلغته الأم فيما قبل التحاقة بالتعليم النظامي أمر في غاية الأهمية انتبهت له واستصحبته مؤسسة الخلوة. 
أو قد نتذكر الاهزوجة: [" با" نَسِبَ- " بِي" كْهِفْدا- " بو" رُوفا- " أبِّ" جِسَمْ]، وتقول الاهزوجة: [" با" نصبة- " بِي" خفضة- " بو" رفعة- " أبِّ" جزم]، وكان ذلك لتعليم صوتيات الألف بائية العربية مع التشكيل: النصبة أو الفتحة. والخفضة أو الكسرة، والرفعة أو الضمة، والجزم أو السكون. 
أو ربما نتذكر الاهزوجة: [(با) إنيـيك ريويايت نسبات إيهى، (بِـيـ) إنيِيك ياء وَإيايت كهفدات إيهى، (بُو) إنيِيك واو وَإيايت روفات إيهى، (أبْ) إنيِيك اكمتايت جسمات إيهى] وتقول الاهزوجة: أن الصوت إذا قال (با) فإنه يصعد ويأخذ فتحة، وإذا قال (بي) فإنه يستدعي ياءا ويأخذ كسرة، وإذا قال (بو) فإنه يستدعي واوا ويأخذ ضما، وإذا قال (أبْ) فإنه يكتم ويأخذ سكونا. وكان ذلك لتعليم المد بأنواعه، المد مع الفتح (با)، والمد مع الكسر (بِـيـ)، والمد مع الضم (بُو)، والسكون (أبْ). 
أو ربما تذكرنا (آنا- إينا- أونا) وهذا كان لتعليم المد خاصة: ( آ- إيـ - أُو). 
ولعل هذه الاهازيج ما زالت تتردد في فضاءات الريف وبعض خلاوي القرى والمدن. 
وفيما يتعلق بالتشكيل، رأينا من نماذج الاهازيج التي أوردناها أنه قد عرفه الذين درسوه في الخلوة، وبعضهم الآخر درسه في الخلوة وفي المدرسة بعدها، ومن لم يلتحق بالخلوة، وتلقى تعليما، لا شك قد درسه في صفوف الدراسة النظامية. 
من كل ذلك يمكننا أن نقول، ودون عسف، بأن البداويت على قدر من المعرفة بالحرف العربي صوتياته وأشكال حروفه، تشكيله ومدوده، سواء من التحق منهم بالخلوة وتركها وأنهى تعليمه بها، أو من واصل تعليمه بعد الخلوة في المدارس النظامية، أو من لم يلتحق بالخلوة وتلقى تعليما نظاميا. إن ما يمكن أن يدركه أي بحث جاد حولهم هو أن من عرف القراءة والكتابة منهم على دراية بالحرف العربي أكثر، وبما لا يقاس، من أي حرف آخر. 
وقد أوردنا في دراستنا السابقة، حول خيارات كتابة اللغة، ومن استقراء الواقع مثالا وهو أن "شعراءهم اليوم يكتبون بالحرف العربي حتى دون إتفاق على قواعد للكتابة، وتجد كل واحد منهم يكتب قصيدته بقواعد كتابة يعرفها هو وحده، وكثيرا ما يختلط عليك المعنى إذا حاولت قراءتها دون مساعدته"- انظر دراستنا السابقة في جريدة السوداني 9 ديسمبر 2011، أو انظر صفحتنا على الانترنت- وصلة "دراسات وبحوث"، وصلة "خيارات كتابة البداويت". ودلالة ذلك هي أن أغلب من عرف القراءة والكتابة من البداويت يعرف الحرف العربي. 
وقطعا فإن ما يمكن أن نلحظه اليوم من ضعفٍ عامٍ في معرفة البعض للقراءة لا يمكن أن نعزيه لعدم المعرفة بها بقدر ما يمكن عن نعزيه لأسباب أخرى. وحتى إذا تعرضت معرفة البعض حول ذلك للنسيان، التشكيل مثلا، فهي قضية استذكار وممارسة لا أكثر.
ودعني هنا استعرض بعض الكتابات بالحرف اللاتيني والعربي. 
** كتب يس علي يس في النت- في
Nov 17 ما يلي:

(saaqi taak mabdleeb dini door hrbabmiini ilati waaet koory tlqaii haa anssiuk .. 
hassn uoriit edni labeeb qidab ektiit habiitoo)

** وكتب Adroob Huaan في 12-11-2011 ما يلي:

huffnit yym shonma daigat arouinioo 
luwtiisanuuy damlquin tibalookiy 
arba rhayaa wasmieen ba,lnytee 
tite tisooli tikruum iroeyn lasooya 
omby jakry uliy qrmy dabnmyaa

وقدم Adroob Huaan ترجمة لذلك بالعربية:

هفنيت يم شونما دايقات أروي نيو لوتي سانييوي دملقوين تبلوكيي 
أربا رهـايا واسمـيـــن بألنيــــــتيي تتي سولي تيكروم إروين لسويا 
أومبي جاكري أولي قرمي دبنميان.

** وكتب علي كاظم قصيدة شعرية في 13-11-2011 عنوانها: بجا دمأرآب

بجا دمأرآب سوتايو....كيكين ديت هدلت 
بجا أو تيت دى نهوستو...أِتِيفا هروي در سمينيت 
بجا نفر كئآن كدادابو...... بوني مهيليت دأمينيب 
بجا دئآشكاي كورومتيبو..... وهابري كَسُو مُهِينِيب 
بجا ألين دى سمريبا ....ديتي وهقوا بنهيويبا 
بجاب اسناياني أريني....تُسِمري مهيليت أَلآمَ 
كَاسَنَاي أهمدهوك....بجاي أر تِكُوَاسُون

ويقول علي كاظم، في أشارة إعتذارية لطيفة، في ختام رسالته (اخوتي اردت ان اعرض لكم هذه الابيات ولكن كتبتها بالاحرف العربية وليتني كنت اعرف ان اكتب باللاتينية لكي اقرب لكم المعاني على كل حال اجتهدت في تشكيل بعض الاحرف وهي طبعا في تمجيد البجا وسماحتهم كسماحت العسل ودائما ما يقترب الذباب من العسل). 
ولست بصدد التعليق على النصوص هنا بقدر ما حاولت عرضها، وربما عدت لمناقشة ذلك في مقال آخر. 
ولكن ما وددت لفت النظر إليه هو ما اعتقد أنه قد حدث للقارئ الآن أثناء قراءته للنصوص التي أوردتها، وأقصد الصعوبة التي يجدها في فهمها، وإنه كثيرا ما يصادفني القول من البعض بأنهم يجدون صعوبة في فهم نصوص البداويت بالحرف اللاتيني رغم معرفتهم الجيدة للانجليزية، كما يصادفني القول بصعوبة فهم نصوص البداويت بالحرف العربي. 
ما نقترحه لمعالجة مسألة كتابة البداويت بالحرف العربي هو أن نتفق على قواعد كتابة يتعامل بها من أراد كتابة نصوصها بالحرف العربي، فكتابة اللغة- أي لغة- هي إتفاق أهلها والمهتمين بها على طريقة كتابتها. ولقد قدمت الجمعية مقترحا في ذلك، وقد طرحنا المقترح على صفحتنا على الانترنت (
www.bejaculture.org)- وصلة "قواميس" في وصلة "مرشد القاموس". والأمر ينتظر التداول حوله. 
وبعد تحديد غرضنا من كتابة اللغة، وهو، وفيما رأينا، الحفاظ على اللغة وعلى الثقافة بتوثيقها بالكتابة وبغيرها لنقلها للألجيال القادمة من جانب، ومن جانب ثان تعريف بنات وأبناء البداويت بثقافتهم ولغتهم ومحاولة تنشيط معرفتهم بذلك وزيادة إهتمامهم بها، ومن جانب ثالث تعريف الآخر المعايش ثقافيا بهما، فيما نسميه نشر الثقافة. 
وبعد هذا كله يمكننا أن نقول، أيضا، وبمنطق مستقيم وبسيط، وبناء على النتيجة التي توصلنا إليها هنا، بأن ما يحقق غرضنا من الكتابة هو تفاعل العدد الأكبر من البداويت مع الحرف الذي تكتب به اللغة. 
ومن المهم ان نقول هنا، أيضا، بأننا نعتقد بأن اللغة لا تخسر شيئا بكتابتها بالحرفين العربي واللاتيني كليهما، وعلى أية حال فإن كتابتها بالحرفين لن تضير اللغة في شيئ إذ أنه سيعرفها من يعرف اللاتينية ولا يعرف العربية، كما أنه سيعرفها من يعرف العربية ولا يعرف اللاتينية.

 

25 تعليقات

  • تعليق Iowttr الأحد, 15 أيار 2022 12:54 مشارك من قبل Iowttr

    buy cephalexin pills - buy cephalexin 125mg online order generic erythromycin 250mg

  • تعليق Xlfscs الجمعة, 13 أيار 2022 07:18 مشارك من قبل Xlfscs

    buy bactrim 960mg for sale - viagra 150mg price cost sildenafil 100mg

  • تعليق Sunuzh الثلاثاء, 10 أيار 2022 22:21 مشارك من قبل Sunuzh

    order augmentin 375mg generic - cialis 40mg generic tadalafil 5mg usa

  • تعليق Qjwoul الأحد, 08 أيار 2022 08:00 مشارك من قبل Qjwoul

    purchase prednisolone pill - prednisolone 40mg ca real cialis

  • تعليق Ievmgu الإثنين, 02 أيار 2022 21:54 مشارك من قبل Ievmgu

    buy sildenafil without prescription - cheap viagra pills brand sildenafil 100mg

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة