الخميس, 05 تموز/يوليو 2018 16:05

جدل الثقافه والتشريع :البداويت نموذجا

جدل الثقافه والتشريع
البداويت نموزج

بقلم الأستاذ/ محمد ادروب محمد

 اختلف الباحثون على معنى جامع لمفهوم " الثقافة " وان كانوا، في عمومهم، يتفقون في مكونات ذلك المفهوم؛ وما يهم في هذا السياق، وما يكاد أن يجمع عليه الباحثون، هو أن " الثقافة " تشكل مجموع تصورات فرد ما أو جماعة ما للكون؛ وعلى انه و بموجب مجمل تلك التصورات والمفاهيم تتحدد سلوكيات أو طريقة تعامل ذلك الفرد أو تلك الجماعة مع الأشياء والناس.

والدولة – أي دولة – تسن تشريعات وقواعد وقوانين لتنظيم العلاقات داخلها، أي سلوك مواطنيها تجاه الأشياء والناس … ولا يخرج تشريع الدولة من أن يكون محملا برؤى الجماعات والاتجاهات التي تقننه. وبغض النظر عن منابت تلك التشريعات أو خلفيات المفاهيم التي تحكمها، فان المهم هنا هو أن ذلك محكوم بأن تلك التشريعات واجبة التنفيذ، وأنها محمية بسلطة الدولة؛ أي أن تلك التشريعات/ القوانين تنفذ بقوة الدولة.

وهاهنا مناط ذلك الجدل بين الثقافة والتشريع؛ فالقانون الذي يحكم به الناس في أي مكان ذو علاقة وطيدة بثقافة هؤلاء الناس اقترب منها أو ابتعد، وأنه وكلما اقترب التشريع من "مفاهيم " الناس .. "ثقافتهم" كلما كان الأقرب لتحقيق السلم الاجتماعي والاستقرار .. وهما قيمتان يجب السعي نحو تحقيقهما لذاتهما، وكما نرى فأن الأمم المتحضرة تجتهد غاية اجتهادها لتحقيقهما.

وهذا البحث يحاول في جانب منه الاقتراب من إشكالية أخرى وهي إشكالية لم يحاول أحد من قبل تناولها أو البحث فيها، والإشكالية وبقدر تعلقها بالبذاويت، فهي وبنفس القدر، تتعلق ببقية المجموعات السودانية … وما أحاول الاقتراب منه وسبر غوره هو محاولة معرفة ما يحفز البذاويت وما يثبطهم، ما يستفزهم وما يشحذ هممهم.

وقد كثر الحديث اليوم عن التنوع الثقافي في السودان. والواضح هو أن هذا التنوع الذي اكتشفناه (أخيرا) إنما قد رصدناه، حتى الآن، على مستويات شكلية وضعيفة وبمجرد الملاحظة العابرة، او في الفكاهة أو "لنكتة" وفي أوقات الترويح.

ففيما تبثه وسائل الإعلام نذكر برنامج: (من ربوع السودان) أو برنامج: (من كل بلد غُنى) وبعض البرامج الأخرى التي سلطت الضوء على جانب واحد من ذلك التنوع وهو جانب الغناء؛ رغما عن أن تلك البرامج لم تشكل في حد ذاتها نسبة ذات قيمة من مجمل خرائط البث الإذاعي أي من مجمل ما تبثه الإذاعة من حيث الوقت ومن حيث نوع البرامج. وما كان يجري هو أن النسبة المطلقة من خريطة البث تلك كانت تحتلها فنون وآداب الوسط والتي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة في واقع التنوع السوداني الواسع والعميق؛ رغم كل ذلك فإننا لم نلاحظ كيف كان يتحلق هؤلاء الناس لسماع تلك الأغاني أو كيف كان شعورهم وقتها.

ويتداول الناس بعض شرائط الكاسيت التي يروي فيها (الراوي) طرفا ونكات تـنبني عقدة الطرفة فيها على تقليد الراوي للطريقة التي يتكلم بها أصحاب الثقافة المعينة واختلاف مؤدى المفردات والجمل وأشباه الجمل عند هؤلاء عن مؤداها عند المتلقين من ناحية وعلى اختلاف مفاهيم أصحاب تلك الثقافات مع المتلقين من ناحية أخرى.

وأرى أن ذلك، وفي حقيقته، نشاط أو فن قد يساهم في إلقاء بعض الضوء على بعض جوانب تلك الثقافات، وأنه وإذا كان بعض حملة تلك الثقافات يشاركون المتلقين الضحك واستظراف المسألة، إلا أن الحقيقة هي أن هؤلاء تتنازع في دواخلهم انفعالات واتجاهات مختلفة، فالواضح أن الجو العام هو جو فكاهة وترويح، وهم ليسوا ضد ذلك، وصحيح أنهم يقولون أو يفعلون ما يقوله الراوي .. إلا أن الضحك الذي حوله، على طريقة كلامه أو أفعاله، أن ذلك يخدش فيه مواطنا يتمنى في دواخله ألا تمس، ثم أنه يتساءل ولسان حاله يقول: " ألم يجدوا في اختلافي، وهو المبرر الوحيد لهذا الضحك طبعا، ألم يجدوا فيه إلا ما أثار ضحكهم"؟.

إذن فان ذلك الضحك ما هو في حقيقته إلا " شرخ ثقافي" يتكرر حدوثه كل حين.

وكنا نعتقد – نحن السودانيين- أننا قد عرفنا بعضنا، ولعل بعضنا يجزم بذلك، ولكنه وبانتقال أعداد كبيرة من المجموعات السودانية لمصر، وبما أتيح من قرب لتلك المجموعات بعضها من بعض، لعلنا اكتشفنا الآن أن ذلك الاعتقاد لم يكن صحيحا؛ فثقافة مجموعة ما ليست هي مجرد طريقة لبس تلك الجماعة، ذلك إذا كانوا يفعلون، أو طريقة تصفيف الشعر عندها أو غناءهم أو رقصهم .. الخ؛ والقضية أعمق من ذلك بكثير.

صحيح أن طريقة تصفيف الشعر أو الغناء أو الرقص، صحيح ان كل ذلك في حد ذاته أمر ذو دلالات، إلا أن الصحيح أيضا هو أن وراء كل ذلك، وغيره، طريقة تفكير وأسلوب حياة، وكما سلف، تصورات تحدد طريقة تعامل هؤلاء مع البيئة من حولهم: الأشياء والناس.

والواضح أنه لم يتم رصد ذلك التنوع على أي مستوى جاد بغرض معرفة مفردات ذلك التنوع، والوصول إلى نقاط الالتقاء والاختلاف بين مجمل هذا الكم الهائل من الثقافات السودانية. وأرى أن من محاسن الظروف الآنية التي يمر بها الوطن، وقد قيل قديما "رب ضارة نافعة"، أن أتاحت للجميع فرصة للاقتراب من التعرف على مقدار التنوع الذي نتحدث عنه، وقد لعب المركز السوداني للثقافة والإعلام – القاهرة – دورا أساسيا في ذلك (التعارف) في المهرجانين الذين أقامهما للثقافات السودانية منتصف تسعينات القرن الماضي حيث وفر فرصة نادرة للجميع لالقاء نظرة عن قرب على ذلك التنوع.

وإذا كان الحديث قد كثر في الآونة الأخيرة عن التنوع السوداني: إثني، ديني، معتقدي ..الخ، إلا أن الواضح هو أن الأمر لم يتعد – من الناحية السياسية - كون أنه مجرد إقرار بذلك التنوع. وأرى أنه من المهم تجاه ذلك التنوع، وفي إطار ذلك الإقرار، أن تتم معالجات في مختلف المجالات تثبت مصداقية إقرارنا ذاك، والأهم أن يجد السودانيون أنفسهم في كل ذلك، أن يجد السودانيون أنفسهم في وطنهم.

ولنقاش ذلك وللتدليل على اتجاهاتنا، نطرح مناط الجدل بين التشريع وتصورات البذاويت – ثقافتهم – في بعض ملامح تجليات ذلك الجدل، ونبدأ بتعريف مختصر لهم: البذاويت، وإذا أسقطنا الاختلافات الكثيرة حولهم واستصحبنا ما يكاد يجمع عليه المؤرخون في شأنهم، فإنهم من أقدم شعوب السودان، وقد عرفوا في هذه المنطقة منذ ما يزيد على 4000 سنة - ويقطنون الجزء الشرقي منه مع امتدادات لهم في دول الجوار: مصر في الشمال وإريتريا في الجنوب الشرقي وإثيوبيا في الجنوب. وهم يتميزون بجملة تصورات أنتجت مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف التي يمكن وبسهولة فرزها عن بقية ثقافات أقوام السودان، ذلك رغم التعايش الذي تم في السودان لما يقارب المائة وثمانين سنة.

وفي السياق نفسه الذي نبحث فيه فهم، ومذ عرفوا، كانوا يتعاملون بأعرافهم التي تواضعوا عليها في مجالس حكمائهم والتي قامت على ركائز راسخة من معرفة هؤلاء الحكماء لتقاليد الناس وعاداتهم، ومن ثم فانه قد تم ضمن تلك المجالس حل أكبر وأكثر مشاكلهم تعقيداً، بل ولعله من المعروف ان تلك المجالس قد تمكنت من حل قضايا عويصة لم يستطع القانون السائد حلها.

و إذا كان تعامل البذاويت بأعرافهم في مجالسهم تلك قد سبق قيام الدولة في السودان، إلا أن الملاحظ هو انهم وبعد قيام تلك الدولة، قبل حوالي المائة وثمانين سنة، إنهم مازالوا في أريافهم يتعاملون في مجالسهم تلك بعيدا عن الدولة وقوانينها ومحاكمها.

فتشريعات التركية وقوانينها و إدارتها كانت بالنسبة للبذاويت غرسا غريبا في تربتهم، وكذلك كانت تشريعات وقوانين الحكم الثنائي.

والبذاويت كلهم مسلمون، بل وأول من أسلم في المنطقة … بل وطوعا. غير أن الواضح هو أن كل ذلك لم يشفع لهم في بعض مراحل الحكم بداية بالمهدية في نهايات القرن التاسع عشر، ومرورا بالفترة التي عن للبعض أن يسمي قوانينها بـ " قوانين الشريعة الإسلامية " في منتصف ثمانينات القرن الماضي أو " التوجه الحضاري " أخيرا. فالبذاويت قد عانوا ما عانوا في زمن المهدية، وفي ظل قوانين النميري 1983 وأخيرا في ظل الإنقاذ. وكثيرا ما يتساءل بعض السياسيين: إذا كانت التشريعات إسلامية والبذاويت مسلمون فما هي مشكلتهم إذن؟

هنا نعود إلى فكرة أساسية طرحناها وهي أن التشريع يحمل عادة، وبالضرورة، رؤى الجماعات التي تقننه؛ وهذا ما تم خلال المراحل المذكورة. غير أن من الجلي هنا هو أن تلك الرؤى حول الإسلام لم توافق تصورات البذاويت؛ الأمر الذي أفرز غربتهم في وطنهم على مر العصور؛ والواضح أيضا من كل ذلك هو أن حلول وأحكام مجالس حكمائهم تلك كانت اكثر توافقا مع وجدانهم، الأمر الذي وفر بينهم سلما اجتماعيا وتعايشا كان الأكثر وضوحا عبر السنين.

ولعله من المفيد هنا إيراد بعض التفاصيل حول الأمر:

فقانون الإثبات، مثلا، ولأداء الشهادة يلزم بقسم، ويلزم المسلمين بقسم على المصحف. وهنا يبرز جدل التشريع/ الثقافة جليا، فحسب تصورات البذاويت فإنهم لا يحبون القسم على المصحف بل الفرد منهم غالبا ما يتنازل عن حقوقه إذا ما تعلق ذلك بقسم على المصحف، رغم عن أنه قد يقسم بالله شفاها دون حرج.

ولعله معروف أن الكثير من الأسر قد تنازلت عن حقوقها في المواد التموينية، رغم حاجتها الماسة لها، عندما علقت سلطة الانقاذ ذلك بقسم على المصحف حول صحة معلومات الفرد عن أسرته؛ وأعتقد أن الافتراض بأن كل الذين رفضوا أن يؤدوا القسم إنما قد فعلوا ذلك لأن كلهم كانوا يكذبون إنما هو افتراض مجحف.

وإذا كنت واحدا من الذين رفضوا القسم وقتها لربما اختلفت وجهة نظري حول ذلك عن وجهة نظر بعض ممن كانوا حولي، بل ربما قد أضمرت حجتي في رفض القسم وقتها رفضا دفينا في دواخلي " الثقافية " لذلك.

وقد جاء فردان من اللجنة الشعبية في الحي ومعهما ثالث، قالا عنه أنه من رجال الأمن، للإحصاء في منزلي؛ وعضوا اللجنة المذكوران أحدهما قريبي وصديقي وجاري والآخر صديق للأسرة وجار، وهما بالضرورة يعرفان أفراد أسرتي ولم نكن غير ثلاث: أنا، زوجتي – التي قدمت لهم شايا – وابنتي ذات الثمانية عشر شهرا والتي كانت بجواري تحت أعينهم. وكانت المفاجأة أن اللجنة وبعد كتابة المعلومات طلبت مني القسم على مصحف كان أمامي وقتها !!! فقلت لهم: "وفيم القسم وأنتم تعرفون يقينا صحة المعلومات ؟"، وعندما أصروا أحضرت لهم جنسيتي وجواز السفر و جنسية زوجتي وقسيمة الزواج وشهادة ميلاد ابنتي "وهما قد أكلا من سمايتها "، واصطففنا أمامهم … ولكنهم ولدهشتي رفضوا كل ذلك وأصروا على القسم على المصحف بحجة أن تلك هي التعليمات!؟

وعندما لوحظ رفض مجموعة كبيرة من الناس القسم في الحي، وبعد فترة، أوفدت لجنة من المجلس البلدي "كما قيل" طلبت لقاء الرافضين لأداء القسم وعقدت لقاءاتها في نادي الحي، وهناك شاهدت معاناة حقيقية كنت جزءا منها فقد واصل الرافضون رفضهم تتنازعهم مشاعر رفضهم للقسم على المصحف من ناحية، ومن الناحية الأخرى حاجتهم الشديدة لحفنة السكر تلك أو بعض الأرغفة. وتواصل ضغط اللجنة ترغيبا و ترهيبا للدرجة التي طلب فيها رئيسها من هؤلاء أن يعلقوا أكفهم في الهواء فوق المصحف دون أن يمسوه ويرددوا القسم… ورفض من رفض بحجة إضافية وجديدة وهي أن ما يحدث إنما هو تحايل على المصحف لا يتحملون المشاركة فيه!

ولكن لماذا يرفض البذاويت القسم على المصحف؟ وكيف يعالجون ذلك؟

لا توجد إجابة قاطعة على السؤال حول رفضهم لذلك، غير أنه يمكن تقدير أن ذلك من فرط تقديسهم للمصحف فهم لا يقسمون عليه سواء كانوا صادقين أو كاذبين. وكانو يعالجون الأمر بخلق بديل لذلك في إطار أعرافهم السائدة وهو أنهم يطلبون من الشخص المتهم بأمر ما وهو ينكره، يطلبون منه أن يلحس النار، والنار التي سيلحسها عبارة عن قطعة حديد محماة لدرجة الاحمرار، وأن يلحسها بعد أن ينطق ثلاث مرات نافيا ما اتهم به، ويعتقدون أنه إذا كان المتهم صادقا في نفيه ذاك فإن النار لن تصيبه بأذى.

وقد أدى ذلك الإجراء "القسم على المصحف" إلى الكثير من المشاكل التي كانت أكثر تعقيدا ومأساوية .. وتدليلا على ذلك نروي التالي وهو من الواقع المحض.

من الوقائع حول ذلك أن محكمة ما قد نظرت في قضية ضد (م. ب) الذي اتهم بسرقة جمل هو وبعض شركائه وهو ينفي ذلك، وطلب منه أن يقسم على المصحف إذا كان صادقا أو ان يدل على شركائه في ذلك، فرفض القسم على المصحف وأقسم بفمه؛ وعندما لم يقبل منه ذلك وإشتد الضغط عليه واضطر لوضع يده على المصحف أقر بأنه قد سرق الجمل وذبحه وأكله ولوحده، وعليه فقد تم حبسه.

وبعد حوالي الشهر بلّغ صاحب الجمل بأنه قد عثر على جمله !!؟ وبسؤال (م.ب) عن كيف يقر بأنه قد سرق الجمل وهو لم يفعل ذلك، فكان رده أنه قصد إدعاء ذبحه للجمل لأنه، وبما أنه لم يسرق الجمل، فإنه كان على يقين بأن الجمل لابد أن يظهر وأن ذلك سيثبت عدم سرقته له، وأنه كان على يقين من أن المولى عز وجل سيظهر الحقيقة.

وقضية (هـ.ش) عام 1991 وأثناء الحصر السكاني، فيما تعلق بتوزيع المواد التموينية السالف ذكره، وعندما طلبت لجنة الحصر منه القسم على المصحف على أن من ذكرهم هم أبناؤه حقيقة، رفض القسم وطالبهم بأن تقسم زوجته على ذلك إذ أنها، وكما رأى أو حاول تبرير رفضه، الشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون متأكدا من ذلك إذ أنها هي التي ولدتهم !!

وتظهر المشكلة، فالمرأة رأت أنه إذا لم يكن زوجها متيقنا من أن هؤلاء أبناؤه، فإنها لا بقاء لها في البيت .. وانتهى أمرهم بأن ذهبت هي إلى بيت أبيها ولم تعد إلى الآن .. أي أن الأمر قد انتهى بالطلاق !!؟.

.. وتظل حقيقة أنهم لا يقسمون على المصحف، وبالعودة لموضوع الشهادة/ القسم فإن المسألة لن تنتهي بذلك فإن مجرد عدم أداء القسم على المصحف، والذي لن تقبل شهادة بدونه في حق المسلم، أن ذلك سيعتبر إعاقة لسير العدالة وجريمة معاقب عليها وفقا لذات القانون!!

والبذاويت في باديتهم يتزوجون زواجا تتوفر فيه أركان الزواج الإسلامي من ولي وصداق وشهود .. إلى آخره، ولكنهم لا يكتبون عقودا غير أنهم يشهرون أنكحتهم. ويعرف الكثيرون كم عانى هؤلاء خلال فترة قوانين سبتمبر وخلال فترة الإنقاذ، حيث كان دائما هناك من يوقفك في الطريق ويسألك عن المرأة التي معك وعن القسيمة إذا كانت زوجتك وإلا واجهت العقوبة ! وكم من هؤلاء قد تم جلدهم بالتهمة الشهيرة (الشروع في الزنا) !! فقط لأنه لم تكن هناك "ورقة مكتوبة " أو قسيمة زواج.

وفي المواريث فإن البذاويت الآن يورثون ميراثا إسلاميا إلّا فيما يتعلق بالأرض، فهم لا يورثون الأرض للبنت. والأرض وحسب تصوراتهم مناط الشرف للفرد والجماعة. والكثيرون يعرفون قضايا المواريث المتعددة التي كانت تنظر فيها المحاكم لحل تلك الإشكاليات؛ ولكن ما كان يحدث في الحقيقة هو انه غالبا ما لا ينتهي الأمر بحكم المحاكم إذ يحاول بعضهم، وفي رفضهم "الثقافي" لتلك الأحكام، معالجة الأمر خارج إطار القانون السائد مما كان ينتج قضايا أخطر وأكثر تشعبا.

ولكن ترى ماذا وراء منع البذاويت توريث الأرض للبنت ؟

إن الاقتراب من هذه القضية محفوف بالكثير من المشاكل والأفكار المتضاربة، إلا أنه وفي محاولتنا نقاش تأثير ذلك على حراكهم ضمن الاجتماع البشري من حولهم لابد من إلقاء نظرة من قرب على المسألة.

واعتقد أن الأمر ذو علاقة بتصورات البذاويت عن الأرض وشدة ارتباطهم بها، والقضية ضاربة في القدم عندهم فقد عرف عن البذاويت قديما أنهم كانوا يورثون ابن البنت وابن الأخت دون ابن الصلب - وقد أورد المقريزي عنهم أنهم كانوا: "يورثون ابن الأخت و ابن البنت دون ابن الصلب"– راجع كتاب: تاريخ السودان لنعوم شقير صفحة (81) - وربما لاحظوا أنه وبذلك قد انتقلت ملكية الأرض إلى المجموعات الأخرى التي تزوج أبناؤها من بناتهم، والأرض في تصورهم هي ما بيناه، ثم أن ذلك قد أدى إلى منعهم توريث الأرض للبنت حفاظا على الأرض. ويقول ابن خلدون: [ثم انتشر أحياء العرب من جهينة في بلاد النوبة واستوطنوها وملكوها وملأوها عيبا وفسادا، وذهب ملوك النوبة إلى مدافعتهم فعجزوا ثم صاروا إلى مصانعتهم بالصهر .. وصار ملكهم لبعض أبناء جهينة من أمهاتهم (لأن أمهاتهم من بنات ملوك النوبة) على عادة الأعاجم في تمليك الأخت وابن الأخت فتمزق ملكهم واستولى أعراب جهينة على بلادهم].

وهم وفي أعرافهم يعالجون ذلك بترضية البنت الوارثة كيف كان ذلك ممكنا، سواء بتعويضها بالمال أو بإعطائها حقوقا في أن ترعى في الأرض.. الخ؛ غير أن القضايا التي وصلت للمحاكم، وكما سلف، لم تكن لتنتهي بأحكام المحاكم، حسب الشرع، والتي لم يكونوا ليقتنعوا بها.

وقد طبعتهم حياتهم البدوية ببعض الطباع، إذ يرى البذاويت أنه لابد للرجل أن يحمل سلاحه معه دوما، وهم، وحسب تصوراتهم، يعيبون من لا يحمل سلاحا سواء كان منهم أو من غيرهم؛ وكان ذلك سببا في الكثير من المشاكل بينهم وبين السلطات المحلية التي كانت تمنع حمل السلاح داخل المدن. وعندما يحاول رجل الشرطة مصادرة السلاح الذي يحمله أحدهم فإن ذلك سيرفض الأمر وبشدة فسلاحه يساوي رجولته فكيف يتنازل عنه؟ وغالبا ما كان يصل الأمر بأن يصطحب الشرطي ذلك الشخص إلى "نقطة البوليس" ولو بالقوة، وهناك يتدخل عامل آخر وهو عامل اللغة حيث لا يستطيع هو توضيح وجهة نظره، وغالبا ما كان الأمر ينتهي بتلقيه بعض الألفاظ النابية "وبعض الصفعات و الركلات" وبحبسه لإعتراض الشرطي أثناء تأدية واجباته، وغالبا ما يكون هو غير قادر على استيعاب ما يحدث. والأمر لا ينتهي على ذلك، فأسرته أيضا والتي حبس عائلها لا تستوعب الأمر. والواضح هو أن المسألة عندهم ستنتهي برفض وحساسية مطلقين تجاه الشرطي .. بل وما يرمز إليه !!

ويرد في تغطية جريدة الخرطوم لكتاب (البقاء مع العسر) للباحث "لايف ماغنر" عن ثقافة الهدندو تلك القضية التي كان ظاهرها أن الإشكالية بين شخصين، في قضية نظرتها المحكمة، كانت أن قتل أحدهم جملا لآخر ورماه .. فاشتكاه صاحب الجمل. ويقول الكاتب "الخواجة " (أن السلطات لم تستطع أن تعرف دلالات قتل جمل ورميه عند البذاويت)؛ فأن يقتل شخص ما من البذاويت جملا ليأكله شيء، وأن يقتله ويرميه فإن ذلك شيء مختلف تماما من حيث الدلالات. فقتل جمل شخص ورميه فيه الكثير من الإهانة لصاحب الجمل بل ولقبيلته، ويقول الكاتب أن ذلك الشخص وبفعلته تلك كان يرد على صاحب الجمل في تهمة يتهمه بها وهي إقامته علاقة مع زوجته، وأن قتل الجمل كان رسالة للمجتمع لشد انتباهه للقضية.

والواضح في هذه القضية هي أن السلطات لم تستطع معرفة دلالات الحدث؛ وسينتهي الأمر بالنسبة إليها بالحكم على قاتل الجمل في إطار هو في حقيقته خارج إطار الواقعة الحقيقية. إذ أنه وبافتراض أن القاضي في القضية كان على دراية بالثقافة السائدة حوله، أو إذا كان في المجلس القضائي الذي نظر القضية من يعرف الثقافة من حوله فإن القضية، وبالقطع، كانت ستأخذ وجهة مختلفة عن الوجهة التي أخذتها تماما فالقضية لم تكن قضية قتل جمل فحسب.

وببحث جوانب أخرى ذات علاقة بموضوع الثقافة/ التشريع ونتيجة لكل تلك الترسبات، ومحاولا الاقتراب من فكرة طرحتها وهي محاولة معرفة ما يحفز البذاويت وما يثبطهم، ما يستفزهم وما يشحذ هممهم، يتضح أن قضية الثقافة/ التشريع واحدة من أكبر مثبطات هؤلاء الناس.

وقد مررنا بطرف من دور اللغة، كأحد مكونات الثقافة، في ذلك.

ولغتهم هي الوعاء الذي حمل ثقافتهم لهذه الآلاف من السنين؛ وهي ليست فقط وعاءا حمل ثقافتهم، بل هي آلية للتفكير عندهم، وهكذا اللغات كلها.

إذ ماذا سيبين لك فرد من البذاويت إذا سألته، مثلا، عن (السمك)؟ ربما تجد منه بعض التعريفات، ولكنهم ولأنهم تاريخيا لم يأكلوا السمك ولا يأكلونه حتى اليوم، وهم بالطبع لا يصطادونه .. وقد ورد في التاريخ أنهم الأمة الوحيدة التي جاورت البحر ولم تتعامل معه. يقول الأستاذ/ محمد عثمان ابوبكر عنهم في ذلك (لعلهم الشعب الوحيد في التاريخ الذي سكن على شاطئ البحر ولم يشتغل بالملاحة إلا قليلا). انظر صفحة (46) من كتاب: تاريخ إريتريا المعاصرة - ولكنك إذا سألت شخصا من الأمم الأخرى التي تجاور البحر ذات السؤال فإنك ستجد منه مئات الأسماء والكثير من التفصيلات حول السمك: انواعه، سلالاته، أحجامه، بل وأطيبه، ولكن وبسؤالك هذا الشخص عن (الجمل)، مثلا، فإنك قطعا لن تجد منه التفصيلات التي ستجدها بسؤالك فردا من البذاويت عن الجمل.

نحن نتحدث عن اللغة كآلية للتفكير، فالذي لا تعرفه اللغة في مفرداتها وتراكيبها فإن حاملها قطعا لن يكون في تصوره ذلك، وبذلك فهو لن يفكر فيه أصلا، أو لنقل أن تفكيره حول ذلك سيكون، على الأقل، شديد القصور.

وعندما تتحدث عن: النظام والدولة والقانون فإنك تتحدث عن قيم لا يمكن للفرد من البذاويت إستيعابها فهو يعيش في باديته حرا لا يحد تصرفاته قيد - إلا بالقدر الذي يتجاوز فيه الأعراف من حوله- وهو لا يهتم كثيرا أو قليلا بمن يحكم أو كيف يحكم إلا بالقدر الذي يحد به ذلك من حريته تلك.

لذلك كله، نجد أن البذاويت وبصفة عامة يتحاشون، وقدر استطاعتهم، اللجوء للقانون العام لحل مشاكلهم. ولذلك أيضا، ولغيره كثير، نجد أن البذاويت يتهيبون المكاتب الحكومية والواحد منهم لا يدخلها إلا مضطرا لأنه يحس، وببساطة شديدة، أنه لا يجد نفسه هناك.

ولعله من المفيد هنا ذكر نماذج أخرى-ذات علاقة - من تصورات بعض أقوام السودان الأخرى، فالقضية في تصوري ليست قضية نظرية بل هي قضية حياتية تهم كل فرد و أسرة و قبيلة. ولنأخذ قبيلتي "الشلك" و"التبوسا" في جنوبي الوطن. ويقيني أن ما أعرضه هنا قطرة من محيط وأرجو أن يتناول أبناء تلك الثقافات، وغيرهم، الأمر بتفصيل أكثر.

فأفراد قبيلة "التبوسا" يتصورون أن كل البقر على وجه البسيطة إنما قد خلق لهم وحدهم، وبذلك فإن الواحد منهم يعتقد أن كل البقر ملك له وحده، حتى وأنه عندما يجد صورة بقرة على علب اللبن المجفف فإنه يعتقد أن "الخواجة" قد سرق بقرته !! وانه إذا رأى أحدهم أبقارا في مرعى فإنه سيسوقها إلى مراحه، وهو بذلك لا يعتقد أكثر من أنه قد ضم بعض أبقاره إليه، إلا أنه وفي ظل القوانين السائدة سيعاقب بتهمة السرقة.

ومن ناحية أخرى فإنه وبافتراض أن فعله جريمة فإنها تنقص عنصرا أساسيا من عناصرها وهو عنصر "السرقة " في فعله ذاك وذلك بموجب تعريف ماهية السرقة، وهي أيضا تنقص ركنا أساسيا من أركانها وهو القصد الجنائي فهو قطعا لم ينو أن يسرق ولم يسرق. وبما أن القاضي محكوم بما هو أمامه من نصوص فقط فقد تصل عقوبة ذلك إلى قطع يده !؟ وهو قطعا، ولا أفراد أسرته أو قبيلته، لن يفهموا ما يحدث لهم.

وأهلنا، "الشُلك"، وككثير من الشعوب الأفريقية، متعلقون بـ (رثهم)– زعيمهم الروحي- وبخاصة ذلك الذي ينمو ويزدهر الزرع والضرع ويعم الخير في عهده.

يقول الكاتب السنغالي شيخ أنتا ديوب: (أن الكثير من الشعوب في أفريقيا مازالت تمارس موت الملك موتا طقوسيا –ومنها الشُلك- نظرا لكونه الكائن المقدس الأعلى.. وكان يتعين أن يكون الملك الرجل المتمتع بأوج عنفوانه.. لأنه إذا حدث انكسار على صعيد قواه ككائن ولو ظل في منصبه لأصبح ذلك خطرا محدقا بالشعب) .. وأنه ( ووفقا لتلك المعتقدات فإن خصوبة الأرض ووفرة المحاصيل وصحة الشعب والقطعان وسير الأحداث بشكل طبيعي وكافة مظاهر الحياة، أن كل ذلك مرتبط ارتباطا حميما بقوة الملك الحيوية الكامنة) أنظر كتاب: الأصول الزنجية للحضارة المصرية القديمة - صفحة (160) – كتاب العالم الثالث، دار العالم الثالث – القاهرة، الطبعة الأولى 1995.

والشُلك يعتقدون في أن الكجور يجب أن يكون متمتعا بكافة قدراته لطرف تقديس فيه، وفي ضرورة المحافظة على ذلك" الكجور"، وعلى الخصوص ذلك الذي يكثر الزرع والضرع الذي يعيشونه في عهده، ذلك للدرجة التي يعتقدون فيها بلزوم قتل ذلك "الكجور" للاحتفاظ بروحه الطيبة، إذ أنه إذا حدث وأن مات ميتة طبيعية فذلك يعني عندهم أن تلك الروح الطيبة سترحل بعيدا عنهم إلى مكان يجهلونه وأن الخير سيذهب معها، وأنه وبقتله – الطقوسي- ستظل تلك الروح وذلك الخير قريبين منهم.

وما يحدث من وجهة نظر القانون السائد هو جريمة قتل، ولكن ألا تنقص هذه الجريمة، هذا إذا كانت هي جريمة بالفعل، ألا تنقص ركنا أساسيا من أركانها وهو القصد الجنائي؟ وما هو تعريف "القصد الجنائي"، وهل القصد الجنائي يتحدد في مجرد "إزهاق روح آخر" أم أن في القضية اعتبارات أخرى؟. ثم انه و أيا كانت الإجابة على السؤال المطروح إلا أن الأهم في اعتقادي الإجابة على السؤال: من هو المرجعية، أو "ما هي الثقافة المرجعية" في ذلك؛ اقصد حسب فهم من أو ثقافة أي مجموعة تتحدد الإجابة على السؤال؟.

وفيما أتصور فإن القضية جادة لأقصى حد، والمطروح ليس دعاوى لكي يتجول الناس بأسلحتهم في المدن، ولا لأن.. ولا لأن.. ولكن ما أطرحه هنا هو أن هؤلاء الناس، وحسب تصوراتهم، إذا لم يجدوا أنفسهم في القانون الذي يحكمون به فإن ذلك سيكون سببا رئيسيا لغربتهم في وطنهم، وأن يكونوا دائما في انتظار "البيان الأول"، وذلك بدوره سبب رئيسي لاستمرار دوران ما اصطلح على تسميته سياسيا "بالدائرة الشريرة" التي تنتج في المقام الأول، وفيما أرى، عن غربة الناس عن النظام الذي يحكمون به. وعليه فإنه لا بد من معالجة ذلك وبكل جدية؛ وكجزء من المعالجات التي نطرحها في كافة المجالات لخلق السودان الجديد.

وأرى أن معالجة ذلك ينبغي أن تتم على عدة أصعدة:

أرى بداية أنه وفي المجال السياسي، وفيما يتعلق بذلك الإقرار، فإن ما اتفقت عليه القوى السياسية، معارضة وحكومة، من إقرار بالنظام الفدرالي كنظام لحكم البلاد، أراه كافيا على الصعيد السياسي، بل وأراه قرارا قد تأخر أكثر من أربعين سنة.

والمهم هنا ضرورة الإشارة إلى ما أعتقد أنه تفريط وانعدام مسؤولية من جانب الحكومة في منهجها في تطبيق الفدرالية، وإفراط من جانب أطروحة الكونفدرالية من الناحية الأخرى، وأعتقد أننا كسودانيين لا نحتاج إلى الكونفدرالية بقدر حاجتنا لفدرالية حقيقية وجادة. ولكنه وما لم يتوج كل ذلك بنظام تشريعي يستوعب ما اعترفنا به من تنوع في السودان، فلن يتعدى الأمر أن يكون تعاملا مع شعارات مجردة وإقرارا معلقًا في الهواء وتجربة المجرَب.

بل وبعد كل الذي وصلنا إليه، هل فينا من قدر السبب الحقيقي وراء مطالبة البجا بالحكم اللامركزي في مؤتمرهم قبل ما يزيد على نصف قرن من الزمان- 1958؟ وأهلنا في الجنوب ومطابتهم بالفدرالية في اتفاق الاستقلال، بل وموافقتهم المشروطة على التصور المطروح لتحقيق الاستقلال وقتها؟ ثم ألم يكن هؤلاء اكثر تقدما واحسن تقديرا لحالة الوطن من كل ساسة جيل الاستقلال الذين رفضوا الفدرالية.. وذلك فقط بحساب ما فقده الوطن في انتظارها. 

والفدرالية التي أتصورها هي تلك التي ستوفر لأبناء الأقاليم قدرا كافيا من السلطات للتشريع بما يناسب أهلهم. ثم أرى ضرورة وحتمية أن تبذل حكومات الأقاليم الجهد الكافي لنشر الوعي القانوني لدى مواطنيها. ويقيني أيضا هو أن لجان التشريع في المجالس الفدرالية قادرة على استنباط وابتداع قواعد وصياغات تشريعية كفيلة بتحقيق المطلوب.

وعلى صعيد التشريع نفسه أرى ضرورة استصحاب أعراف الناس في مناطقهم في حل مشاكلهم وسنجد وقتها أن الكثير من القضايا المتشعبة والمعقدة ممكنة الحل ضمن تلك الأعراف؛ ذلك إذا حققنا ما اسميه "استصحابا جادا" و ليس "استصحابا شعاراتيا" نحاول به إسكات الناس؛ كتلك المقولة التي اعتاد ترديدها أحد السياسيين وقت الأزمات وهي: (إيتاء كل ذي حق حقه). و يبرز الواقع المعاش أن اللجوء لأعراف الناس قد حقق نجاحا بالفعل في بعض الممارسات المحدودة والمعزولة.

بالإضافة إلى ذلك أرى ضرورة اعتماد نظام المحلفين القضائيين، فإن ذلك وفيما أرى، لا يقل أهمية عن كل الإجراءات السابقة، فإن إقرار ذلك النظام سيتيح الفرص، وبشكل دائم وفي كل قضية، لوجود أفراد ضمن المحلفين يتفهمون تصورات الناس وعاداتهم، ومن ثم يساعدون القضاء لإصدار أحكام أكثر عدلا-والعدل مطلوب لذاته- مما سيجعل الناس أكثر رضى وتجاوبا مع التشريعات التي تحكمهم وبالتالي في النظام الذي يحكمهم ويسير حياتهم.

بالإضافة إلى كل ذلك، وكمعالجة لا تقل أهمية، أرى ضرورة إنشاء وزارة مركزية ووزارات إقليمية لحقوق الإنسان لرصد حالة حقوق الإنسان في البلاد بالتعاون مع أية جهات أخرى ذات علاقة كالجهات الأمنية والنائب العام ومنظمات المجتمع المدني.

أيضا أراه من الضروري، وتكملة للوجهة، وضع مناهج تعليمية، وبخاصة للنشء، فيما يتعلق بحقوق الإنسان بالتعاون بين الجهات ذات العلاقة كالوزارة المتخصصة المقترحة ووزارة التعليم ومنظمات المجتمع المدني. إن الإنسان وبعد أن عانى من الاضطهاد والقهر والحروب على مدى تاريخه، فإن إنسان نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين قد حسم أمره منذ منتصف القرن الماضي وتواضع على اتفاقات وبروتوكولات ظل يطورها ويمدد ظلها حتى وأن تلك الاتفاقات الآن تغطي معظم حياة الفرد والجماعة، أي فرد و أية جماعة، على ظهر كوكبنا أو تكاد؛ وانه لم يكتف بذلك، بل وجعل التزام الدول بتلك الاتفاقات أمرا إلزاميا حتى لا تقهر الدول مواطنيها.

هذه دعوة للجميع للتمسك بذلك، وفتح الحوارات حول الموضوع والعمل على تحقيقه على الأرض، إذ أننا وبعدم إدراكنا لكل ذلك قد أضعنا الكثيرمن الوقت والجهد، بل و أرواح عزيزة لن نتمكن من إعادتها ولو أردنا.

فالأزمة السودانية في جذرها، وكما أرى، أزمة ثقافية؛ بل وأرى أنه قد لازم حراكنا حول ذلك خطأ آخر وهو خطأ قد أدي، في تقديري، إلى تركيب تعقيد المسألة؛ وهو أننا قد حاولنا معالجة الأمر في غير ماعونه ونقلناه إلى غير تربته الأمر الذي أنتج هذه الحرب اللعينة وهذا الدمار والتخلف؛ إذ أننا قد تصورنا – وصورنا - الأزمة وكأنها أزمة سياسية وحاولنا معالجتها في "السياسي" مما أدى إلى تركيب المسألة وتعقيدها .. والخطأ في ذلك، فيما أرى، هو أن الخلاف "الثقافي" عندما وجد تعبيره أو عندما استزرعناه في "السياسي"، فإننا بذلك قد ضيعنا فرصة معالحته إذ جعلناه عرضة لكل تداخلات "السياسي" مع الولاءات والإنتماءات والأيدولوجيات والمصالح الخاصة والصراعات على السلطة والاستقطابات في كل ذلك.

681 تعليقات

  • تعليق Glenn الجمعة, 20 أيار 2022 07:57 مشارك من قبل Glenn

    How many days will it take for the cheque to clear? https://baurzhan.kz/stmap_19zwkycw.html fass hydroxyzine orifarm The furloughed workers will be in green and blue union t-shirts on the Constitution Avenue side of the Natural History Museum from 10 a.m. until noon on Wednesday. If the shutdown is long and the effort is successful, they may add volunteers at other museums.

  • تعليق Deshawn الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Deshawn

    Hold the line, please https://dev.glasfaser.netinsiders.de/stmap_54yebbug.html?mega.neurontin.levitra cabgolin tablet The House could vote on that measure in an unusual Saturday or Sunday session. But all indications were that Republicans would tack on a new measure to that bill, which likely would be rejected by the Senate and make a shutdown all the more likely.

  • تعليق Robin الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Robin

    Is there ? https://dev.api.mosbeautyshop.com/stmap_31fqfoiz.html?cefaclor.super.viagra montelukast 4mg granules sachets sugar free “We’re always looking for ways to better communicate information to patients and consumers,” said Dr. Edwin Kuffner, vice president of McNeil Consumer Healthcare, the J&J unit that makes Tylenol.

  • تعليق Riley الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Riley

    US dollars http://banlaophen.go.th/stmap_31fqfoiz.html?levitra.cymbalta.ortho coupon para diclofenaco y misoprostol Now all eyes are on the "Clash in Cotai" in November, featuring Pacquiao for the main event and Zou on the undercard. Organizers say it'll be the biggest professional boxing match ever held in China. It'll also be the first outside of the U.S. since 2006 for the Filipino superstar, who has lost his two last bouts.

  • تعليق Carmine الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Carmine

    Looking for a job http://oxin.ist/stmap_19zwkycw.html?acivir.cialis.medrol.anaprox amoxicillin and ibuprofen interaction The state's immediate concern: Where will ADM's global headquarters, including about 100 of the company's top executives and another new 100 IT workers, land? And how much could it cost in possible incentives?

  • تعليق Lucius الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Lucius

    Another year https://www.otrprestige.com/stmap_54shosat.html?penegra.femcare.viagra paracetamol extra boots The Model S is a fully electric car with its battery pack housed in the floor of the vehicle. Tesla said the fire started when the metallic object directly hit one of the 16 modules within the Model S battery pack.

  • تعليق Tyron الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Tyron

    I'd like to send this to http://devinswany.com/stmap_31monane.html?bystolic.nalidixic.maxolon.cialis clotrimazole krim Kids who reportedly drank no soda scored 56 on the aggression scale, on average. That compared to 57 among kids who drank one serving per day, 58 among those who drank two servings, 59 among those who drank three servings and 62 for four soda servings or more per day.

  • تعليق Jamie الجمعة, 20 أيار 2022 07:56 مشارك من قبل Jamie

    Sorry, I'm busy at the moment https://massivetradinginvestment.com/stmap_31fqfoiz.html?viagra.diskus.clomipramine imodium bottle Lawyers for Grout and Martin-Artajo have said that their clients did nothing wrong. Neither Grout's lawyer, Edward J. M. Little, nor Martin-Artajo's lawyers, Richard Smith and Lista Cannon, could be reached for comment after the charges were filed.

  • تعليق William الجمعة, 20 أيار 2022 06:55 مشارك من قبل William

    Have you read any good books lately? https://dev.api.mosbeautyshop.com/stmap_19xorppt.html?mefenamic-acid.cialis.prednisone tagi pharma metformin reviews “If he’s healthy and not pitching good, certainly a concern, but he’s pitched. He’s had some pretty good games and recently, even the other day, he pitched pretty good when his back started to get stiff on him,” Collins said.“I think tonight, it was a tough night for him, you know, pitching back here.” 

  • تعليق Marcos الجمعة, 20 أيار 2022 06:55 مشارك من قبل Marcos

    I don't like pubs https://parqtowns.com/stmap_54xzbfos.html?micronase.dulcolax.mesylate.viagra paracetamol 500mg hexal dosierung It’s an admirable mind-set, but Ryan & Co. should know better than to cede to a competitive rookie’s wishes in August and jeopardize his chances of performing at an optimal level in his first career start.

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة